الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: لباب التأويل في معاني التنزيل المشهور بـ «تفسير الخازن» (نسخة منقحة).
.تفسير الآيات (31- 41): {إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41)}{إلا إبليس أبى أن يكون من الساجدين} يعني مع الملائكة الذين أمروا بالسجود لآدم فسجدوا {قال} يعني قال الله {يا أبليس مالك ألا تكون مع الساجدين قال} يعني إبليس {لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون} أراد إبليس أنه أفضل من آدم لأن آدم طيني الأصل وإبليس ناري الأصل. والنار أفضل من الطين فيكون إبليس في قياسه أفضل من آدم، ولم يدرِ الخبيث أن الفضل فيما فضله الله تعالى {قال فاخرج منها} يعني من الجنة وقيل من السماء {فإنك رجيم} أي طريد {وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين} قيل: إن أهل السموات يلعنون إبليس كما يلعنه أهل الأرض، فهو ملعون في السموات والأرض فإن قلت: إن حرف إلى لانتهاء الغاية فهل ينقطع اللعن عنه يوم الدين الذي هو يوم القيامة؟ قلت: لا بل يزداد عذاباً إلى اللعنة التي عليه كأنه قال تعالى، وإن عليك اللعنة فقط إلى يوم الدين. ثم تزداد معها بعد ذلك عذاباً دائماً مستمراً لا انقطاع له {قال رب فأنظرني} يعني أخّرني {إلى يوم يبعثون} يعني يوم القيامة وأراد بهذا السؤال أنه لا يموت أبداً لأنه أذا أمهل إلى يوم القيامة، ويوم القيامة لا يموت فيه أحد لزم من ذلك أنه لا يموت أبداً، فلهذا السبب سأل الإنظار إلى يوم يبعثون، فأجابه الله سبحانه وتعالى بقوله: {قال فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم} يعني الوقت الذي يموت فيه جميع الخلائق وهو النفخة الأولى فيقال: إن مدة موت إبليس أربعون سنة، وهو ما بين النفختين، ولم تكن إجابة الله تعالى إياه في الإمهال إكراماً له بل كان ذلك الإمهال زيادة له في بلائه وشقائه وعذابه. وإنما سمي يوم القيامة بيوم الوقت المعلوم، لأن ذلك اليوم لا يعلمه أحد إلا الله تعالى فهو معلوم عنده وقيل: إن جميع الخلائق يموتون فيه فهو معلوم بهذا الاعتبار وقيل لما سأل إبليس الإنظار إلى يوم يبعثون أجابه الله بقوله: {فإنك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم} يعني اليوم الذي عينت وسألت الإنظار إليه {قال رب بما أغويتني} الباء للقسم في قوله بما وما ومصدرية، وجواب القسم {لأزينن} والمعنى فبإغوائك إياي لأزينن لهم في الأرض، وقيل هي باء السبب. يعني بسبب كوني غاوياً لأزينن {لهم في الأرض} يعني لأزينن لهم حب الدنيا ومعاصيك {ولأغوينهم أجمعين} يعني بإلقاء الوسوسة في قلوبهم، وذلك أن إبليس لما علم أنه يموت على الكفر غير مغفور لهم حرص على إضلال الخلق بالكفر، وإغوائهم ثم استثنى فقال {إلا عبادك منهم المخلصين} يعني المؤمنين الذين أخلصوا لك التوحيد والطاعة والعبادة، ومن فتح اللام من المخلصين يكون المعنى إلا من أخلصته واصطفيته لتوحيدك وعبادتك.وإنما استثنى إبليس المخلصين لأنه علم أن كيده ووسوسته لا تعمل فيهم، ولا يقبلون منه وحقيقة الإخلاص فعل الشيء خالصاً لله عن شائبة الغير فكل من أتى بعمل من أعمال الطاعات فلا يخلو، إما أن مراده بتلك الطاعات وجه الله فقط، أو غير الله أو مجموع الأمرين. أما ما كان لله تعالى فهو الخالص المقبول، وأما ما كان لغير الله فهو الباطل المردود، وأما من كان مراده مجموع الأمرين فإن ترجح جانب الله تعالى كان من المخلصين الناجحين وإن ترجح الجانب الآخر كان من الهالكين لأن المثل يقابله المثل فيبقى القدر الزائد، وإلى أي الجانبين رجح أخذ به {قال} يعني قال الله تبارك وتعالى: {هذا صراط علي مستقيم} قال الحسن معناه هاذا صراط إلى مستقيم. وقال مجاهد: الحق يرجع إلى الله وعليه طريقه لا يعرج إلى شيء. وقال الأخفش: معناه على الدلالة على الصراط المستقيم. وقال الكسائي: هذا على طريق التهديد والوعيد كما يقول الرجل لمن يخاصمه: طريقك علي أي لا تنفلت مني. وقيل: معناه علي استقامته بالبيان والبرهان والتوفيق والهداية. وقيل: هذا عائد إلى الإخلاص والمعنى أن الإخلاص طريق علي وإلي يؤدي إلى كرامتي ورضواني..تفسير الآيات (42- 45): {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45)}{إن عبادي ليس لك عليهم سلطان} أي قوة وقدرة وذلك أن إبليس لما قال: لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين، أوهم بهذا الكلام أن له سلطاناً على غير المخلصين فبين الله سبحانه وتعالى، أنه ليس له سلطان على أحد من عبيده سواء كان من المخلصين، أو لم يكن من المخلصين. قال أهل المعاني: ليس لك عليهم سلطان على قلوبهم، وسئل سفيان بن عيينة عن هذه الآية فقال: معناه ليس لك عليهم سلطان أن تلقيهم في ذنب يضيق عنه عفوي، وهؤلاء خاصته أي الذين هداهم، واجتباهم من عباده {إلا من اتبعك من الغاوين} يعني إلا من اتبع إبليس من الغاوين، فإن له عليهم سلطاناً بسبب كونهم منقادين له فيما يأمرهم به {وإن جهنم لموعدهم أجمعين} يعني موعد إبليس وأتباعه وأشياعه {لها} يعني لجهنم {سبعة أبواب} يعني سبع طبقات. قال علي بن أبي طالب: تدرون كيف أبواب جهنم هكذا ووضع إحدى يديه على الأخرى أي سبعة أبواب بعضها فوق بعض. قال ابن جريج: النار سبع دركات أولها جهنم، ثم لظى، ثم الحطمة، ثم السعير، ثم سقر، ثم الجحيم، ثم الهاوية {لكل باب منهم جزء مقسوم} يعني لكل دركة قوم يسكنونها والجزء بعض الشيء وجزأته جعلته أجزاء، والمعنى أن الله سبحانه وتعالى يجزئ أتباع إبليس سبعة أجزاء فيدخل كل قسم منهم في النار دركة من النار والسبب فيه أن مراتب الكفر مختلفة فلذلك اختلفت مراتبهم في النار، قال الضحاك: في الدركة الأولى أهل التوحيد الذين أدخلوا النار يعذبون فيها بقدر ذنوبهم ثم يخرجون منها، وفي الثانية النصارى، وفي الثالثة اليهود، وفي الرابعة الصابئون، وفي الخامسة المجوس، وفي السادسة أهل الشرك، وفي السابعة المنافقون فذلك، قوله سبحانه وتعالى: {إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار} عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل السيف على أمتي أو قال على أمة محمد صلى الله عليه وسلم» أخرجه الترمذي. وقال: حديث غريب قوله سبحانه وتعالى: {إن المتقين في جنات وعيون} المراد بالمتقين الذين اتقوا الشرك في قول جمهور المفسرين وقيل: هم الذين اتقوا الشرك والمعاصي والجنات والبساتين والعيون والأنهار الجارية في الجنات، وقيل: يحتمل أن تكون هذه العيون غير الأنهار الكبار التي في الجنة، وعلى هذا فهل يختص كل واحد من أهل الجنة بعيون أو تجري هذه العيون من بعضهم إلى بعض؟ وكلا الأمرين محتمل فيحتمل أن كل واحد من أهل الجنة يختص بعيون تجري في جناته وقصوره ودوره فينتفع بها هون ومن يختص به من حوره وولدانه، ويحتمل أنها تجري من جنات بعضهم إلى جنات بعض لأنهم قد طهروا من الحسد والحقد..تفسير الآيات (46- 60): {ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ (46) وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (47) لَا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ (48) نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (49) وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ (50) وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ (51) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ (52) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (53) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَى أَنْ مَسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ (54) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْقَانِطِينَ (55) قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ (56) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ (57) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ (58) إِلَّا آَلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ (59) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ (60)}{ادخلوها} أي يقال لهم: ادخلوها والقائل هو الله تعالى أو بعض ملائكته {بسلام آمنين} يعني ادخلوا الجنة مع السلامة والأمن من الموت ومن جميع الآفات {ونزعنا ما في صدورهم من غل} الغل الحقد الكامن في القلب. ويطلق على الشحناء والعداوة والبغضاء والحقد والحسد، وكل هذه الخصال المذمومة داخلة في الغل لأنها كامنة في القلب يروى أن المؤمنين يحبسون على باب الجنة فيقتص بعضهم من بعض ثم يؤمر بهم إلى الجنة، وقد نقيت قلوبهم من الغل والغش والحقد والحسد {إخواناً} يعني في المحبة والمودة والمخالطة، وليس المراد منه إخوة النسب {على سرر} جمع سرير. قال بعض أهل المعاني: السرير مجلس رفيع عدل مهيأ للسرور وهو مأخوذ منه لأنه مجلس سرور. وقال ابن عباس: على سرر من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت والسرير مثل صنعاء إلى الجابية {متقابلين} يعني يقابل بعضهم بعضاً لا ينظر أحد منهم في قفا صاحبه، وفي بعض الأخبار أن المؤمن في الجنة إذا أراد أن يلقى أخاه المؤمن سار سرير كل واحد منهما إلى صاحبه فيلتقيان ويتحدثان {لايمسهم فيها} يعني في الجنة {نصب} أي تعب ولا إعياء {وما هم منها} يعني من الجنة {بمخرجين} هذا نص من الله في كتابه على خلود أهل الجنة في الجنة، والمراد منه خلود بلا زوال وبقاء بلا فناء، وكمال بلا نقصان وفوز بلا حرمان. قوله سبحانه وتعالى: {نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم} قال ابن عباس: يعني لمن تاب منهم وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يضحكون فقال: «أتضحكون وبين أيديكم النار فنزل جبريل بهذه الآية وقال: يقول لك ربك يا محمد مم تقنط عبادي» ذكره البغوي بغير سند {وأن عذابي هو العذاب الأليم} قال قتادة بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم العبد قدر عفو الله لما تورع عن حرام ولو يعلم العبد قدر عذابه لبخع نفسه» يعني لقتل نفسه.(خ) عن أبي هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه سلم يقول: «إن الله سبحانه وتعالى خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعاً وتسعين رحمة، وأدخل في خلقه كلهم رحمة واحدة، فلو يعلم الكافر بكل الذي عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة، ولو يعلم المؤمن بكل الذي عند الله من العذاب لم يأمن من النار» وفي الآية لطائف منها أنه سبحانه وتعالى أضاف العباد إلى نفسه بقوله نبئ عبادي وهذا تشريف وتعظيم لهم، ألا ترى أنه لما أراد أن يشرف محمداً صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج لم يزد على قوله: {سبحان الذي أسرى بعبد ه ليلاً} فكل من اعترف على نفسه بالعبودية لله تعالى فهو داخل في هذا التشريف العظيم، ومنها أنه سبحانه وتعالى لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة أولها قوله: أني وثانيها أنا وثالثها إدخال الألف واللام في الغفور الرحيم، وهذا يدل على تغليب جانب الرحمة والمغفرة. ولما ذكر العذاب لم يقل إني أنا المعذب، وما وصف نفسه بذلك. بل قال: وأن عذابي هو العذاب الأليم على سبيل الإخبار، ومنها أنه سبحانه وتعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عباده هذا المعنى فكأنه أشهد رسوله على نفسه في التزام المغفرة والرحمة. قوله سبحانه وتعالى: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم} هذا معطوف على ما قبله أي وأخبر يا محمد عبادي عن ضيف أبراهيم. وأصل الضيف الميل يقال ضفت إلى كذا وإذا ملت إليه والضيف من مال إليك نزولاً بك وصارت الضيافة متعارفة في القرى وأصل الضيف مصدر، ولذلك استوى فيه الواحد والجمع في عامة كلامهم، وقد يجمع فيقال أضياف وضيوف وضيفان وضيف إبراهيم هم الملائكة الذين أرسلهم الله سبحانه وتعالى، ليبشروا إبراهيم بالولد ويهلكوا قوم لوط {إذ دخلوا عليه} يعني إذ دخل الأضياف على إبراهيم عليه السلام {فقالوا سلاماً} أي نسلم سلاماً {قال} يعني إبراهيم {إنا منكم وجلون} أي خائفون وإنما خاف إبراهيم منهم لأنهم لم يأكلوا طعامه {قالوا لا توجل} يعني لا تخف {إنا نبشرك بغلام عليم} يعني أنهم بشروه بولد ذكر غلام في صغره عليم في كبره، وقيل عليم بالأحكام والشرائع والمراد به إسحاق عليه السلام فلما بشروه بالولد عجب إبراهيم من كبره وكبر امرأته {قال أبشرتموني} يعني بالولد {على أن مسني الكبر} يعني على حالة الكبر، قال على طريق التعجب {فبم تبشرون} يعني فبأي شيء تبشرون، وهو استفهام بمعنى التعجب كأنه عجب من حصول الولد على الكبر {قالوا بشرناك بالحق} يعني بالصدق الذي قضاه الله بأن يخرج منك ولداً ذكراً، تكثر ذريته وهو إسحاق {فلا تكن من القانطين} يعني فلا تكن من الآيسين من الخير. والقنوط: هو الإياس من الخير {قال} يعني إبراهيم {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} يعني من ييأس من رحمة ربه إلا المكذبون، وفيه دليل على أن إبراهيم عليه السلام لم يكن من القانطين، ولكنه استبعد حصول الولد على الكبر فظنت الملائكة أن به قنوطاً فنفى ذلك عن نفسه، وأخبر أن القانط من رحمة الله تعالى من الضالين لأن القنوط من رحمة الله كبيرة، كالأمن من مكر الله ولا يحصل إلا عند من يجهل كون الله تعالى قادراً على ما يريد، ومن يجهل كونه سبحانه وتعالى عالماً بجميع المعلومات فكل هذه الأمور سبب للضلالة {قال} يعني إبراهيم {فما خطبكم} يعني فما شأنكم وما الأمر الذي جئتم فيه {أيها المرسلون} والمعنى ما الأمر الذي جئتم به سوى ما بشرتموني به من الولد {قالوا} يعني الملائكة {إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين} يعني لهلاك قوم مجرمين {إلا آل لوط} يعني أشياعه وأتباعه من أهل دينه {إنا لمنجوهم أجمعين إلا امرأته} يعني امرأة {لوط قدرنا} يعني قضينا وإنما أسند الملائكة القدر إلى أنفسهم وإن كان ذلك لله عز وجل، لاختصاصهم بالله وقربهم منه كما تقول خاصة الملك نحن أمرنا، ونحن فعلنا وإن كان قد فعلوه بأمر الملك {إنها لمن الغابرين} يعني لمن الباقين في العذاب والاستثناء من النفي إثبات، ومن الإثبات نفي فاستثناء امرأة لوط من الناجين يلحقها بالهالكين..تفسير الآيات (61- 70): {فَلَمَّا جَاءَ آَلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ (61) قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (62) قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ (63) وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ (64) فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ (65) وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ (66) وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ (67) قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ (68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ (69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ (70)}{فلما جاء آل لوط المرسلون} وذلك أن الملائكة عليهم السلام لما بشروا إبراهيم بالولد، وعرفوه بما أرسلوا به ساروا إلى لوط وقومه فلما دخلوا على لوط {قال إنكم قوم منكرون} وإنما قال هذه المقالة لوط لأنهم دخلوا عليه وهم في زي شبان مردان حسان الوجوه، فخاف أن يهجم عليهم قومه فلهذا السبب قال هذه المقالة. وقيل: إن النكرة ضد المعرفة فقول: إنكم قوم منكرون يعني لا أعرفكم ولا أعرف من أي الأقوام أنتم، ولا لأي غرض دخلتم فعند ذلك {قالوا} يعني الملائكة {بل جئناك بما كانوا فيه يمترون} يعني جئناك بالعذاب الذي كانوا يشكون فيه {وأتيناك بالحق} يعني باليقين الذي لا شك فيه {وإنّا لَصادقون} يعني فيما أخبرناك به من إهلاكهم {فأسر بأهلك} بقطع من الليل يعني آخر الليل، والقطع القطعة من الشيء وبعضه {واتبع أدبارهم} يعني واتبع آثار أهلك وسر خلفهم {ولا يلتفت منكم أحد} يعني حتى لا يرى ما نزل بقومه من العذاب فيرتاع بذلك، وقيل: المراد الإسراع في السير وترك الالتفات إلى ورائه، والاهتمام بما خلفه كما تقول امض لشأنك ولا تعرج على شيء وقيل جعل ترك الالتفات علامة لمن ينجو من آل لوط ولئلا يتخلف أحد منهم فيناله العذاب {وامضوا حيث تؤمرون} قال ابن عباس: يعني إلى الشام وقيل: الأردن، وقيل إلى حيث يأمركم جبريل وذلك أن جبريل أمرهم أن يسيروا إلى قرية معينة ما عمل أهلها عمل قوم لوط {وقضينا إليه ذلك الأمر} يعني وأوحينا إلى لوط ذلك الأمر الذي حكمنا به على قومه، وفرغنا منه ثم إنه سبحانه وتعالى فسر ذلك الأمر الذي قضاه بقوله: {أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين} يعني أن هؤلاء القوم يستأصلون عن آخرهم بالعذاب وقت الصبح وإنما أبهم الأمر الذي قضاه عليهم أولاً، وفسر ثانياً تفخيماً له وتعظيماً لشأنه {وجاء أهل المدينة} يعني مدينة سدوم وهي مدينة قوم لوط {يستبشرون} يعني يبشر بعضهم بعضاً بأضياف لوط والاستبشار: إظهار الفرح والسرور، وذلك أن الملائكة لما نزلوا على لوط ظهر أمرهم في المدينة وقيل إن امرأته أخبرتهم بذلك، وكانوا شباناً مرداً في غاية الحسن ونهاية الجمال فجاء قوم لوط إلى داره طمعاً منهم في ركوب الفاحشة {قال} يعني قال لوط لقومه {إن هؤلاء ضيفي} وحق على الرجل إكرام ضيفه {فلا تفضحون} يعني فيهم يقال فضحه يفضحه إذا أظهر من أمره ما يلزمه العار بسببه {واتقوا الله} يعني خافوا الله في أمرهم {ولا تخزون} يعني ولا تخجلون {قالوا} يعني: قوم لوط الذين جاؤوا إليه {أولم ننهك عن العالمين} يعني أولم ننهك عن أن تضيف أحداً من العالمين. وقيل: معناه أو لم ننهك أن تدخل الغرباء إلى بيتك، فانا نريد أن نركب منهم الفاحشة: وقيل: معناه ألسنا قد نهيناك أن تكلمنا في أحد من العالمين إذا قصدناه بالفاحشة.
|